سورة البقرة - تفسير تفسير ابن جزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (البقرة)


        


{وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24)}
{وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ} الآية إثبات لنبوّة محمد صلى الله عليه وسلم بإقامة الدليل على أنّ القرآن جاء به من عند الله، فلما قدّم إثبات الألوهية أعقبها بإثبات النبوة، فإن قيل: كيف قال إن كنتم في ريب، ومعلوم أنهم كانوا في ريب وفي تكذيب؟ فالجواب أنه ذكر حرف إن إشارة إلى أنّ الريب بعيد عند العقلاء في مثل هذا الأمر الساطع البرهان، فلذلك وضع حرف التوقع والاحتمال في الأمر الواقع، لبعد وقوع الريب وقبحه عند العقلاء وكما قال تعالى: {لاَ رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: 2].
{على عَبْدِنَا} هو النبي صلى الله عليه وسلم، والعبودية على وجهين: عامة، وهي التي بمعنى الملك، وخاصة وهي التي يراد بها التشريف والتخصيص، وهي من أوصاف أشراف العباد. ولله در القائل:
لا تدعني إلاّ بيا عبدها *** فإنّه أشرف أسمائي
{فَأْتُواْ بِسُورَةٍ} أمر يراد به التعجيز {مِّن مِّثْلِهِ} الضمير عائد على ما أنزلنا وهو القرآن، ومن لبيان الجنس، وقيل: يعد على النبي صلى الله عليه وسلم، فمن على هذا: لابتداء الغاية من بشر مثله، والأول أرجح لتعيينه في يونس وهود، وبمعنى مثله في فصاحته وفيما تضمنه من العلوم والحكم العجيبة والبراهين الواضحة {شُهَدَآءَكُم} آلهتكم أو أعوانكم أو من يشهد لكم {مِّن دُونِ الله} أي غير الله، وقيل: هو من الدين الحقير، فهو مقلوب اللفظ {وَلَن تَفْعَلُواْ} اعتراض بين الشرط وجوابه فيه مبالغة وبلاغة، وهو إخبار ظهير مصداقة في الوجود إذ لم يقدر أحد أن يأتي بمثل القرآن، مع فصاحة العرب في زمان نزوله، وتصرفهم في الكلام، وحرصهم على التكذيب، وفي الإخبار بذلك معجزة أخرى، وقد اختلف في عجز الخلق عنه على قولين: أحدهما: أنه ليس في قدرتهم الإتيان بمثله وهو الصحيح، والثاني: أنه كان في قدرتهم وصرفوا عنه، والإعجاز حاصل على الوجهين، وقد بينّا سائر وجوه إعجازه في المقدمة {فاتقوا النار} أي فآمنوا لتنجوا من النار، وعبر باللازم عن ملازمه، لأن ذكر النار أبلغ في التفخيم والتهويل والتخويف {وَقُودُهَا} حطبها {الناس} قال ابن مسعود: هي حجارة الكبريت لسرعة اتقادها وشدّة حرها وقبح رائحتها، وقيل: الحجارة المعبودة، وقيل: الحجارة على الإطلاق {للكافرين} دليل على أنها قد خلقت، وهو مذهب الجماعة وأهل السنة، خلافاً لمن قال: إنها تخلق يوم القيامة، وكذلك الجنة.


{وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25)}
{وَبَشِّرِ} يحتمل أن تكون خطاباً للنبي صلى الله عليه وسلم، أو خطاباً لكل أحد، ورجّح الزمخشري هذا لأنه أفخم {الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} دليل على أن الإيمان خلاف العمل لعطفه عليه، خلافاً لمن قال: الإيمان اعتقاد، وقول، وعمل، وفيه دليل على أن السعادة بالإيمان مع الأعمال، خلافاً للمرجئة {جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار} أي تحت أشجارها وتحت مبانيها، وهي أنهار الماء واللبن والخمر والعسل وهكذا تفسيره وقع، وروي أن أنهار الجنة تجري في غير أخدود {هذا الذي رُزِقْنَا} منْ الأولى: للغاية أو للتبعيض أو لبيان الجنس، {مِن قَبْلُ} أي في الدنيا، بدليل قولهم: {إِنَّا كُنَّا قَبْلُ في أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ} [الطور: 26] في الدنيا، فإن ثمر الجنة أجناس ثمر الدنيا، وإن كانت خيراً منها في المطعم والمنظر {وَأُتُواْ بِهِ متشابها} أي يشبه ثمر الدنيا في جنسه، وقيل: يشبه بعضه بعضاً في المنظر ويختلف في المطعم، والضمير المجرور يعود على المرزوق الذي يدل عليه المعنى {مُّطَهَّرَةٌ} من الحيض وسائر الأقذار، ويحتمل أن يريد طهارة الطيب وطيب الأخلاق.


{إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ (26)}
{لاَ يَسْتَحْى} تأوّل قوم: أن معناه لا يترك، لأنهم زعموا أنّ الحياء مستحيل على الله؛ لأنه عندهم انكسار يمنع من الوقوع في أمر، وليس كذلك؛ وإنما هو كرم وفضيلة تمنع من الوقوع فيما يعاب، ويردّ عليهم قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله حيي كريم يستحي من العبد إذا رفع إليه يديه أن يردّهما صفراً» {أَن يَضْرِبَ} سبب الآية أنه لما ذكر في القرآن الذباب والنمل والعنكبوت، عاب الكفار على ذلك، وقيل: المثلين المتقدّمين في المنافقين تكلموا في ذلك؛ فنزلت الآية رداً عليهم {مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً} إعراب بعوضة مفعول بيضرب، ومثلاً حال، أو: مثلاً مفعول، وبعوضة بدل منه أو عطف بيان، أو هما مفعولان بيضرب؛ لأنها على هذا المعنى تتعدّى إلى مفعولين، وما صفة للنكرة أو زائدة {فَمَا فَوْقَهَا} في الكبر، وقيل: في الصغر، والأول أصح {فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الحق} لأنه لا يستحيل على الله أن يذكر ما شاء، ولأن ذكر تلك الأشياء فيه حكمة، وضرب أمثال، وبيان للناس، ولأنّ الصادق جاء بها من عند الله {مَاذَآ أَرَادَ الله} لفظه الاستفهام، ومعناه الاستبعاد والاستهزاء والتكذيب، وفي إعراب ماذا وجهان؛ أن تكون ما مبتدأ، وذا خبره وهي موصولة، وأن تكون كلمة مركبة في موضع نصب على المفعول بأراد، ومثلاً منصوب على الحال أو التمييز {يُضِلُّ بِهِ} من كلام الله جواباً للذين قالوا: {مَاذَآ أَرَادَ الله بهذا مَثَلاً}، وهو أيضاً تفسير لما أراد الله بضرب المثل من الهدى والضلال.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10